تحرير الإنسان من اعتقاد وراثة الخطيئة الأولى
إن من كرامة الإنسان في الإسلام: أنه أزال عنه وصمة التلوث بالخطيئة التي يولد عليها كل إنسان ، كما هي دعوى المسيحية التي زعمت أن خطيئة آدم بالأكل من الشجرة المحرمة وُرِّثت لبنيه ذكوراً وإناثاً ، فلا يولد مولود إلا في عنقه هذه الخطيئة ، ولا ينجو إنسان من إثمها وتبعتها إلا بكفارة وفداء ، ولم يتحقق هذا الفداء إلا بصلب المسيح فيما زعموا ، ومن ثم كانت حتمية الإيمان بالمسيح فادياً مخلصاً!
أما الإسلام فقد ألغى هذا كله وأعلن أن (كل مولود يولد على الفطرة) غير مُلوث بخطيئة ، أو مُثقَّل بذنب.
كما قرر الإسلام بوضوح وحسم مسئولية الإنسان عن نفسه ، فلا يجوز في منطق العدل الإلهي أن يحمل الابن وزر أبيه ، أو الحفيد وزر جده: (ولا تكسب كل نفس إلا عليها ، ولا تزر وازرة وزر أخرى).
على أن معصية آدم نفسها قد غسلتها التوبة ، وانتهى أمره بالاجتباء والهداية من ربه ، كما قال تعالى: (وعصى آدم ربه فغوى ، ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى).
يقول الدكتور نظمي لوقا ، المسيحي المصري في كتابه (محمد .. الرسالة والرسول):
إن أنس لا أنسى ما ركبني صغيراً من الفزع والهول من جراء تلك الخطيئة الأولى وما سيقت فيه من سياق مروع ، يقترن بوصف جهنم ، ذلك الوصف المخيف لمخيلة الأطفال وكيف تتجدد فيها الجلود كلما أكلتها النيران ، جزاءً وفاقاً على خطيئة آدم بإيعاز من حواء ، وأنه لولا النجاة على يد المسيح الذي فدى البشر بدمه الطهور! لكان مصير البشرية كلها الهلاك المبين!
وإن أنس لا أنس القلق الذي ساورني وشغل خاطري عن ملايين البشر قبل المسيح: أين هم؟ وما ذنبهم حتى يهلكوا بغير فرصة نجاة؟!
والحق أنه لا يمكن أن يُقدِّر قيمة عقيدة خالية من أعباء الخطيئة الأولى الموروثة إلا من نشأ في ظل تلك الفكرة القاتمة ، التي تصبغ بصبغة الخجل والتأثم كل أفعال المرء ، فيمضي في حياته مضي المريب المتردد ، ولا يقبل عليها إقبال الواثق بسبب ما أنقض ظهره من الوزر الموروث.
إن تلك الفكرة القاسية تسمم ينابيع الحياة كلها ، ورفعها عن كاهل الإنسان منّة عظمى ، بمثابة نفخ نسمة حياة جديدة فيه ، بل هو ولادة جديدة حقاً ، ورد اعتبار لا شك فيه ، إنه تمزيق صحيفة السوابق ، ووضع زمام كل إنسان بيد نفسه.