شوف يا احمد
بما انى راجل مش بفهم فى حاجه غير المزيكا
فانا وصلت لبحث طويييييييييييييل عرييييييييييييييييييض
اثبت لى ان المزيكا حلال
و انا هفسر لك الحديث اللى حضرتك قولته
عن أبي عامرِ، أو أبي مالكِ الأشعري، سَمِعَ النبي "ص" يقول:
"ليَكونَنَ من أمتي أقوام يستحلونَ الحِرَ، والحَريرَ، والخمرَ، والمعازِفَ، ولينزلَن أقوام إلى جنبِ عَلَم، يَروحُ عليهم بسارحةِ لهم، يأتيهِم- يعني الفقيرَ- لحاجةٍ فيقولوا: ارجِع إلينا غداَ، فيبيًتُهُم اللهُ، ويَضَعُ العَلَمَ، وَيمسَخُ آخَرينَ قِرَدَةَ وخنازيرَ إلى يومِ القِيامةِ" (سيأتي تحرير الحديث و تخريجه في مقالة أخرى بإذن الله).
قِيلَ: هَذا الحَديثُ نص في تَحريمِ المعازِفِ، التي هيَ اَلاتُ العَزْفِ.
وَقيلَ: لَو لم يَرِد سِواهُ لَكفى، لظُهورِ دَلالتِه وَجَلاءِ إفادَتهِ.
وهذا السياقُ ضَعيفُ الإسناد، وفيهِ اختِلاف عن سِياقِ الحديثِ الصَحيحِ المتقدمِ، لكن استِشهادي به لتَرجيحِ ان العُقوبةَ المذكورَةَ إنما هيَ للمستحلينَ، ولا بأسَ بها كرِواية مُفسرَةِ.
وُيقوي هذا التفسير الحديثانِ الآخَرانِ في هذا المعنى، وهُما:
حَديثُ ابنِ سابطِ وغيرِه: قالَ رسولُ اللّه "ص": ((إن في أمتي خَسفاً ومسخاً وقَذْفاً"، قالوا: يا رَسولَ الله، وهم يَشهَدونَ أن لا إلَهَ إلا الله؟ فقالَ: نعم، إذا ظَهَرَتِ المعازفُ، والخمورُ، ولُبِسَ الحريرُ".
وَحديثُ أبي مالك الأشعريً، قال: سمعتُ رَسولَ اللّه "ص" يقولُ:
سَيكونُ في اْمَتي الخَسف والمسخُ والقَذفُ "، قال: قلتُ: فِيمَ يا رَسول الله؟ قال: "باتخاذهم القيناتِ، وَشُربهم الخُمورَ".
فهذهِ أخبار مُتوافقة، وعليهِ نقول: إن عُقوبةَ الخَسفِ وَالمسخِ في أقوامِ يستحلونَ الفُروجَ المحرمةَ وَالحَريرَ والخَمرَ وَالمعازِفَ.
فأينَ مَتزِلَةُ حُكم المعازِفِ مَحلً البَحثِ في هذا؟هذا الحديثُ خبر، ولا ريبَ أنه قد يدل على وُجودِ الحُكمِ، لكنه لا يُفيدُهُ بذاتِهِ، وإنما يثبُتُ الحُكْمُ بدَليلٍ آخرَ، فحُكمُ المستَحَلاتِ هُنا يجبُ أن يكونَ قد عُلِمَ من الشَّرعِ بغيرِ هذا الحديثِ. وهذا أمر لا يَنبغي أن يُختَلَفَ فيه، والمحرم للمعازِفِ يَقول: دلَّ الحديثُ على أن المذكوراتِ مُحرَّمةٌ فتُستَحل، فالتحقيقُ أن الحديثَ عندَه إنما هوَ علامَة على وجودِ التحريمِ في المذكوراتِ، لا أنَّه الدليلُ عليها.
وعليهِ فيكونُ الاستِدلالُ به على التحريمِ خطأَ، وإتما الواجبُ أن نبحَثَ عن أدلةِ التحريم للمذكوراتِ في غيرِه.
ثَُم القول: هو علامَة على ثُبوتِ التَحريمِ بدليلِ آخَر، إتما مَبناهُ على دَلالةِ لَفظِ "يَستَحلونَ "، وعلى اقترانِ المذكوراتِ ببعضِها.
وهَل يُسلمَ هذا؟
الجوابُ: أمَا مُطْلَقاَ فَلا..، وَبيانُه كما يأتي:
تفسيرُ لَفظِ (يَستَحلونَ):هذا اللفظ يَقَعُ استِعمالُه في استِباحَةِ الحَرامِ واستِباحَةِ المُباحِ جَميعاً، كما دٌلت عليهِ السنة.
فأما استِعمالُه لاستِباحَةِ الحَرامِ، فبمُواقَعتِه واعتِقادِ إباحَتِه، فإن كانَ اعتِقادُهُ ذلكَ بغيرِ إذن من الشرعِ أو عُذرٍ كتأويل أو جَهل كانَ كُفراً.
ومِن شَواهِدِ استِعمالِه في هذا المعنى، قولهُ "ص": ((اتقوا اللّه في النساء فإنكُم أخَذتُموهُن بأمانِ الله، وَاستَحلَلتُم فُروجهُنَّ بكَلِمَةِ اللّه " ، وذلكَ أنَ الأصلَ في الفُروجِ التحريمُ، وهذا استِحلال بإذْنِ الشرعِ.
ومن شَواهِدِهِ قولُ أئمةِ السنةِ: (لا نُكَفرُ أحداَ من أهلِ القِبلَةِ بذَنب ما لم يَستحلهُ ).
وأما استِحلالُ الحَلالِ، فإنَّا وَجَدْنا ذلكَ الاستِعمالَ فىِ حديثِ المقدام بنِ مَعدي كَرِبَ، قالَ: قَالَ رَسُولُ اللّه "ص": "الا هَل عَسَى رَجُلْ يَبلغُهُ الحَدِيثُ عَني، وَهُوَ متكِى على أَريكَتِهِ، فَيَقُولُ: بَينَنا وَبَينَكُم كِتابُ اللّه، فَما وَجَدنا فِيهِ حَلالا استحللناهُ، وَما وَجَدنا فِيهِ حَراماَ حَرمناهُ، وَإِن مَا حَرمَ رَسُولُ اللّه "ص" كَما حَرَمَ الله " (حديث صحيح).
فدل الاشِتِراك في استِعمالِ لفظِ (الاستِحلالِ) في استِباحَةِ الحرامِ واستِباحَةِ الحلالِ على أنه لا يدلُ بنَفسهِ على استِحلالِ الحرامِ، إنما تتوقفُ دلالَتُهُ على ذلكَ على دَليلٍ خارجٍ عن نَفسِ لفظِ (الاستِحلالِ). وعليهِ، فلا يصح أن يَقول القائل: دلَّ استِحلالُهم إياها أنها كانَت قبلَ ذلكَ حراماَ، وَيستنِدُ إلى نَفْسِ دلالَةِ هذا اللفظِ.
ولا رَيبَ أنَّ الدليلَ المنفصلَ من الكِتابِ والسنةِ قد تواتَرَ في تَحريمِ الزنا والخَمرِ دون استِثناء، فاستِحلالُها استِحلالٌ لمعلومِ الحُرمَةِ من دينِ الإسلامِ.
كما تَواتَرَتِ السنَنُ في بيانِ حُكْمِ لِباسِ الحَريرِ، غيرَ أنَها فصَّلَت: فأباحَتهُ للإناثِ، وحرمَته على الذكورِ، بل استَثنَت جوازَه للذكورِ للحاجَةِ، كما رَخصَتْ في يَسيرِه، في تَفاصيلَ تُعرَفُ من مَظانها، فالمرأةُ إذا لَبِسَتِ الحريرَ فقدِ استحلتِ الحَلالَ، وليسَ عليها في ذلكَ من بأسِ، والرجلُ إذا استحله لغيرِ علةٍ وكانَ كثيراً فقد استحل الحرامَ.
وإنما فصلنا ذلكَ لان الأدلةَ فصلتهُ، ولم يتعارَض الاستِحلال مع هذا التفصيلِ، ولا رَيبَ أن استِحقاقَ العُقوبةِ لا يكونُ على استِحلال الحَلالِ، فالحَريرُ المستَحَلُ في الحديثِ محَل الكلامِ هُنا هوَ الذي لا يحل لُبسُه، لأن مايحلُ لُبسُهُ لايُعاقَبُ عليهِ.
وهذا جَميعُه إنما عَلِمناهُ بدَليلِه المستقلٌ ، ليسَ هوَ حديثَ أبي عامرٍ أو أبي مالك.
والمقصودُ هُنا أن نُدرِكَ أن لَفظَ الاستِحلالِ لا يُفيدُ حُكمَ التحريمِ لذاتِهِ.
دَلالةُ الاقتِران:وأما التعلقُ بالاقترانِ كدَليلِ على تَحريمِ المعازِفِ، فتعلقٌ ظاهرُ الضعفِ، فإنا نعلَمُ بالضرورَةِ أن الحريرَ لا يَشبَهُ في حكمِهِ الزنا وشُربَ الخمر
فإن قيلَ: دَل السياقُ على أن للمعازِفِ قدراَ من الذَّمٌ في هذا الحديثِ.
قلنا: نَعَم، هذا معنى لا يَتبَغي إنْكارُهُ، فإنَّه سيلى ذكَرَ ترتيبَ العُقوبةِ لهُم على هذا الاستحلالِ الواقعِ منهُم، وفي جُملَتهِ استحلالُهم المعازِفَ.
فلا يصحُّ أن يتخيلَ أحدٌ أنَّ ذكرَ المعازِفِ هُنا كذكْرِ مُباحِ مُطلَقِ الإباحَةِ، فهذا لا يَستَقيمُ مع عَدها أحدَ أسبابِ تَرتيبِ العُقوبَةِ على القَومِ المشارِ إليهم في الحديثِ.
نَعَنم دَلالةُ الاقتِرانِ ضَعيفة عندَ جُمهورِ أهلِ الأصولِ، لكنْ هذا لو قالَ قائلْ: لَما قُرِنَت (المعازِفُ) بالزنا والخَمرِ أخذَتْ حُكمَها، فهذا الاسِتدلالُ ضَعيفْ مَردود، فإن النصوصَ قد تَقرِنُ بينَ الأشياءِ المختلفةِ في أحكامِها، أما إذا قالَ القائلُ: لَما اشتَرَكت (المعازِفُ) مع المذكوراتِ كسَببِ للعُقوبَةِ، فإن ذلكَ دال على قَدْر يتناوَلُها من شَبَهِ حُكمِ المذكوراتِ، وهذا الذي نُصوبُه ونقولُ: في الحديثِ علامَةْ على حُكمِ يخص (المعازفَ) هوَ من جِتسِ حُكمِ المذكوراتِ.
ولكن كَما عَلِمنا حُكمَ هذهِ الثلاثِ: الزنا والخَمرِ والحَريرِ، بأدلتها الخاصةِ بها، فلننظُر كذلكَ المعازِفَ، ولنبحَث في أدلةِ الأحكام لا في الأخبارِ عَما سَيقعُ في آخرِ الزمان، على ما يُبينُ المرادَ بما أشارَ إليهِ هذا الحديثُ من حُكمِ المعازِفِ، وكما صَححنا التفصيلَ في الحَريرِ، فَلنَستَحضِر جَوازَ أن يكونَ الشأنُ كذلكَ في المعازفِ.
وأمَا العُقوبَةُ الواردةُ في الحديثِ، فإنها مرتبة على جَمعِ هؤلاءِ الأقوامِ للمذكوراتِ، وليسَ على استِحلالِهم لبعضِها على الانفِرادِ، وهذا ظاهرٌ لا يَتبَغي إنكارُهُ.
قيلَ: مُجردُ تَرتيبِ العُقوبةِ شَرعاً على عَملِ، دَليل على التحريمِ.
قُلنا: هذا صَحيح من حيثُ التأصيلُ لا نُنازعُ فيهِ، ولكنه ضَعيفْ هَهُنا، وذلكَ لأن العُقوبةَ رُتبَت على المجموعِ، ونحنُ نبحَثُ عنِ الحُكمِ لكُل منها على الانفِرادِ.
فَحاصل القوْل في دلالةِ هذا الحديثِ:أنه أفادَ أن المذكوراتِ تكونُ شِعاراً لأقوامِ، يَستَوجِبونَ بها سَخطَ اللّه فَيَخسِفُ بهِم، وَيمسَخُ منهم اَخرينَ قردةَ وخنازيرَ، ولم يُسَق لبَيانِ حُكمِ شيءِ منها، وإن كانَ قد دلَ على أن لأفعالِهم تلكَ من الأحكامِ ما لا تكونُ معَه مُباحَة، بقَرينةِ ما اجتَمعوا عليهِ من الفَسادِ الموجِب لتلكَ العُقوبَةِ بجُملَتهِ.
فإن قلتَ: أقرْرتَ بأن الحديثَ أشعَرَ بوُجودِ حُكمِ للمَعازفِ ليسَ هُوَ الإباحَةَ، كما لا يكونُ الكَراهَةَ، لأنه أحدُ أسبابِ العُقوبَة في الحَديثِ، فتعينَ أن يكونَ التحريمَ.
قلتُ: يَنبني هذا على تَفصيلِ القول في (المعازِفِ)، وهَل يتعلقُ بها حُكم لذاتِها، أم حُكمُها باعتِبارِها وَسيلةَ؟
استَحضِر ما تقدمَ في الكلامِ على مُطلَق (اللهو) وأنه في الأصلِ على الإباحَةِ، وإنما يَنتقلُ عَنها إلى غيرِها بحَسَبِ ما يُستَعمَلُ له، فإما طاعَة فيتحولُ إلى بابِها، وإما غيرُها فيتحولُ إلى كَراهَةٍ أو تَحريمِ، بَيتتُ ذلكَ عندَ الكلامِ على قولِهِ تعالى: (وَاَستَفزِز مَنِ اَستَطَعْتَ مِنهُم بِصَوتِكَ) الإسراء: 64..
وقولِه تعالى: (و من الناس من يشتري لهو الحديث ليضل به عن سبيل الله بغير علم و يتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين) لقمان: 6،.
فهُنا لما جامَعَتِ (المعازِفُ) الزنا والخمرَ كانَ ذلكَ قرينةَ على أْنها استُعمِلَت من أولئكَ الأقوامِ المخسوفِ بهم وَسيلةَ للحرامِ وعَوناَ عليهِ وَداعياً إليه، خُصوصاً مع ما هُوَ مَعلومٌ من حالِ من يَجتَمعُ على ذلكَ من الفَسَقَةِ، فهؤلاءِ لا يتمُّ أنسُهُم وَيحلو لَيلُهُم دونَ طَرَبِ السماعِ، بأصواتِ الآلات والغِناءِ المشوقِ إلى الخَمرِ والنساءِ، فهيَ وَسائلُ اتخِذَت لمعصيَةِ الله.
ولا نصححُ القول بلُحوقِ حُكمِ التحريمِ لنَفسِ الآلَةِ ونَفسِ الصَوتِ، لأننا بَحثناُ عنِ الدليلِ الخاص المفيدِ لذلكَ فلم نجِدهُ، وإنما الذي وَجَدْنا الأدلةَ قد وَرَدَت فيهِ اْن (المعازِفَ) كانَت موجودة على عَهدِ التشريعِ، واستِعمالَها كذلكَ في مُناسَباتِ وأحوال مُختلفةٍ ، وكذلكَ الغِناءُ، ولم يَرِد فيها دَليلْ واحد صَريح يُبينُ حُرمَتَها على سَبيلِ الاستِقلالِ، كما وَقَعَ ذلكَ في تَحريمِ الخَمرِ والزنا، وما ادُّعِيَت فيهِ الصَّراحَةُ فهذا الحديثُ أحسَنُه، وقد عَلِمتَ الغايَةَ في دلالَتِهِ، وباقي ما استُدِل به فهوَ دونَه إما دَلالة إن صَح، وإما رِوايةً، وهو الغالبُ.
وإذا صَح لنا التفصيلُ في حُكمِ الحَريرِ حينَ نظَرناهُ مُفرداَ عن المذكوراتِ، فكذلكَ وَجَدنا الكلامَ في (المعازِف) لا يستَقيمُ فيهِ إلا التفصيلُ حينَ بحَثناهُ مفرداَ.
فإن قلتَ: صَححْ دَعواكَ أن استِعمالَ (المعازف) كانَ موجودا في عَهدِ التَنزيلِ.
قلتُ: نَعَمْ، أما (الدف) فهوَ أبرَزُ مَعازِفِهم في الجاهليةِ والإسلامِ، وأدلَّةُ ذكرِهِ كثيرَ:، نَجدُ سِياقَ جُملَةِ منها في تَفصيلِ أحكام هذهِ المسألة.
وأزيدُكَ مِمَّا ثَبَتَ بهِ النقلُ عن عَهدِ التَشريعِ من استِعمالِهم غيرَ (الدف) من (المعازِف)، وذلكَ في ثلاثَةِ أحاديثَ:[/color]
[color=red]الأول: عَن جابِرِ بنِ عبدالله، قالَ:" كانَ الجَوارِي إذا نَكَحوا كانُوا يَمرونَ بالكَبَرِ وَالمزاميرِ، ويترُكونَ النَّبي "ص" قإنما على المنبرِ وَيتفَضونَ إليها، فأنزَلَ اللّه: (و إذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا اليها..) الجُمعة: 11 ." (حديث صحيح)
و "الكَبَر": الطبل، وَ (المزاميرُ) جَمعُ مِزمارٍ ، وهُوَ اَلةُ الزمرِ.
فدل الحَديثُ على أن الطُّبولَ والمزاميرَ كانت موجودةً في عَهدِ النبيً "ص".
على أن هذا النص إنما ذمَّهُم بالإقبالِ عليها وتركِهم النَّبي "ص" قإئما يومَ الجُمعةِ يخطُبُ، لا في سائرِ الأحوالِ، ألا تراهُ قالَ قبلَ ذلكَ: (تِجَارة)؟ والتجارَةُ لا تُمنَعُ ولا تَحرُمُ، والإقبالُ عليها لا يُمنَعُ ولا يَحرُمُ، ولكن الاشتِغالَ بذلكَ والخَطيبُ يخطُبُ يومَ الجُمُعَةِ هو موضِعُ التَحريمِ، وهذا التَّحريمُ لمعنى تلكَ السَّاعَةِ، لا لذاتِ اللهو والتجا رَةِ.
والقصد من إيرادِ هذا الخبَرِ الاستدلالُ به على كونِ آلاتِ العَزفِ الموجودَةِ في عهِ التشريعِ لم تكُن مقتصرة على الدف كما زَعَمهُ بعضُهُم.
الثاني: عَن نَافِعٍ مَوْلَى ابنِ عُمَرَ: أنَّ ابنَ عُمَرَ سَمِعَ صوت زَمَّارَةِ راع، فَوَضَعَ أصبُعَيهِ فِي أذنَيهِ، وَعَدَلَ راحِلَتَهُ عَن الطَّرِيقِ، وَهُوَ يَقُولُ: يا نافِعُ، أتَسْمَعُ؟ فأقُولُ: نَعم، فَيَمضِي، حَتى قُلتُ: لا، فَوَضَعَ يَديهِ، وأعَادَ راحِلَتَهُ إلى الطرِيقِ، وَقالَ: رَأيتُ رَسُولَ الله "ص" وَسَمِعَ صوت زَمارَةِ راعِ، فَصَنَعَ مِثْلَ هَذا (حديث صحيح).
فالزمارةُ هُنا: القَصَبةُ التي يُزْمَرُ بها، وهيَ مِعزَفة، ولَها من حُسنِ الصًوتِ ما لايخفى على مَن سَمِعَها.
فأكًدَ هذا دلالَةَ الحديثِ المتقدم من أن المعازِفَ من دُف وطَبلِ ومِزْمار كانت موجودةَ على عَهدِ التشريعِ يَستعمِلُها الناسُ.
الثالث: حَديثُ عائشَةَ، المشهورُ بحديثِ أم زَرعِ، وفيهِ قصة الإحدَى عَشرَة امرأة يَصِفنَ أزواجَهُنَّ، وكانَت عائِشةُ تُحدثُ بذلكَ النبي "ص"، فذَكَرَت فيما قالَت:
قالَت العاشِرَةُ: زَؤجي مالكْ، وَما مالك؟ مالك خير من ذلكَ، لهُ إبلَ كَثيراتُ المبارِكِ، قَليلاتُ المسارحِ، وإذا سَمِعَت صوت المِزهَرِ، أيقنْ أنًهُن هَوالكُ (حديث صحيح).
و (المِزْهَرُ): العودُ، على ما بيناه في جزئية التعريفات و القواعد..
قالَ إمامُ اللغَةِ اْبو عُبيدِ الهرَوي: "أرادَت أن زَوجَها قَد عوَّدَ إبِلَهُ أنه إذا نزَلَ بهِ الضيفانُ أن يَتحَرَ لهم ويَسقيهم الشَّرابَ، ويأتيهِم بالمعازِفِ، فإذا سَمِعت الإبلُ ذلكَ الصوت، علمنَ أنهن مَنحوراتْ، فذلكَ قولُها: أيقن اْنهن هَوالِكُ".
وَالناظِرُ في أخبارِ العَربِ قبلَ الإسلامِ يَجدُهُم يَعرِفونَ آلات أخرَى من المعازِفِ غيرَ هذهِ الثَّلاثِ، وَلَو أرَدْنا الإتيانَ على ما ذكَرَه أهلُ الأدَبِ مِنها لجِئنا على شيءِ كَثير من تلكَ الآلات كانُوا يَستَعمِلونَه، لكن ليسَ تتبعُ ذلكَ من مَقصودِ هذا البحث، وما وردَ بذِكرِه الحديثُ كافي للدلالةِ على المقصودِ.
ثم إنً المعازِفَ من المذكوراتِ أو غيرِها مِما لم نَعْتَنِ بتَتبعِه كانت عندَهم علامَةَ لإظهارِ النكاحِ، وفي هذا دَليل على أنَّ مثلَها ظاهر شائعْ لا يَخفى، فكيفَ يُتصورُ أن تكونَ في الحُرمَةِ كالخَمرِ والزنا، ولا يُنقَلَ ذلكَ بدَليلِ واحدٍ مُستقل في حُكمِها، صَريحِ لا يَقبَلُ الظنونَ والتأويلَ؟ بل يَنبغي لعُموم البَلوى بها أن يكونَ حُكمُ التحريم فيها منقولاً بالتواتُرِ، كما نُقلَ حُكمُ الزنا والخَمرِ.
نَعَم، الحديثُ الواحدُ الصحيحُ السالمُ من العِلل تثبُتُ به الأحكامُ، لكن السُّؤالَ: أينَ هوَ ذلكَ الخبرُ الضحيحُ الضريحُ الَّذي لا يقبَلُ التأويلَ في تَحريمِ المعازِف بخُصوصِها؟
حديثُ أبي عامرٍ أو أبي مالك هذا لم يقم حُجةً بذاتِه على تَحريمِ مُطلَقِ المعازِفِ، ولا يصح أن يُقالَ لشيء كانَ موجوداً شائعاَ في عهدِ التشريعِ ولم يأتِ نص بتَحريمه: هوَ حَرامٌ ، بالاجتِهادِ والنَّظَرِ، فإن سُكوت الشارعِ دَليلْ على عَدم الحُكمِ، وعدَمُ الحُكمِ دَليلُ الإباحَةِ في بابِ العاداتِ.
وَالذم للمعازِفِ الذي أشارَ إليهِ الحديث ليسَ لحُرمَتِها في الأصْلِ، إنما لحُرمَةِ ما اتخِذَت لأجلِهِ.
وقد جاءَت أصولُ الشريعَةِ في بابِ المباحِ بإمكانِ تحولِه إلى حُكمِ آخرَ، كالاستِحبابِ أو الوُجوبِ من جِهةِ طَلَب الفعلِ، أو الكَراهَةِ أو التحريم من جِهةِ طلَبِ التركِ، وهذا سَهلُ التَصوُرِ جدا، فإن الله تعالى أباحَ الأكلَ والشُربَ وهو لَذَّةُ البَدَنِ وقِوامُهُ، لكن حرمَ الإسرافَ فيهِ، فأباح الأكلُ والشربُ دونَ الإسرافِ، والإسرافُ معنى زائدٌ يُحوٌلُ الإباحَةَ إلى التحريمِ، كما قالَ اللّه تعالى: (وكلوُا و اشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) الأعراف:31،.
فوَصفُ الإباحَةِ ثابت للشيءِ المباحِ الذي لم يرِدْ دَليل خاص بنَقلِهِ إلى حكمٍ آخرَ، وَينتَقلُ إلى حُكمِ آخرَ بمؤثِّراتِ زائدةٍ ، كما سنذكُرُه لاحقاً.
ومن هذا نَستَخلصُ: أن المعازِفَ لا يتصلُ حكمُها بذات الآلةِ، وإنما هوَ بأصواتها، ولِذا اندرَجَ الغِناءُ ضِمنَها لُغة.
ثم إن اتّصالَ الحُكم بأصواتها عائد إلى اعتِبارِ الصوت دَعوَةً، كَما تقدمَ في قولِهِ تعالى:َ (و استفزز من استطعت منهم بصوتك) وأنَّه كُل داع إلى مَعصيَةِ اللّه، فإذا كانَ الصوت يُدعى به إلى مَعصيةِ كانَ محرماً بهذا الاعتِبارِ، وإذا كانَ يُدعى بهِ إلى طاعة كانَ مَرغوباَ مَطلوباَ، وإذا لم يَكُن كذلكَ كانَ مُباحاً شأنُ سائِر الأصوات.
ولو دَعاكَ داعِ فقالَ

تَعالَ يا فُلانُ اسمُر مَعنا الليلة)، فإن كانُوا يَسمُرونَ في طاعَةِ الله كانَ ذلكَ الدعاءُ طاعةَ، وانْ كانُوا يَسمُرونَ فىِ مَعصيَةِ كانَ ذلكَ الدعاءُ مَعصيَةَ، وإاذا كانُوا يَسمُرونَ في مُباحِ كانً الدعاءُ مُباحاً خالِ من اعتِبارِ الثوابِ والعِقابِ.
وهذهِ النتيجَةُ لَها نَظير في نَهي النبي "ص" عَنِ الظْروفِ، وهيَ الأوعيَةُ الَّتي كانوا يَصْنَعونَ فيها الخَمرً، ثَُم إذْنِهِ فيها وقولِهِ: "وَنَهيتُكُم عَنِ الظروفِ، و إن الظروفَ لا تُحَرِّمُ شَيئاَ ولا تُحِلهُ، وَكُل مسكِرِ حَرام " (حديث صحيح).
والشريعةُ في هذهِ الأبوابِ جاريةْ معَ المعاني والعِللِ، ولِذا فإن المِعزَفَ إذا صُوتَ بهِ لعُرس كانَ تصويتاَ مَطلوباَ مَرغوبا فيهِ، لِما تحققُ من مَقصودٍ شَرعي، وإذا صُوتَ به لمجالس الخَمرِ والفُجورِ كانَ محرماً.
فخُلاصَة القول في دلالةِ حَديثِ الاستِحْلال المذكورِ:
أئه لا بُد من حَملِه على الأصوات الداعيَةِ إلى مَعصيَةِ الله وَمُوافقةِ حالِ الزناةِ وأهلِ الخُمورِ فيما هُم فيهِ من مَعصِية وفُجور، ولا تفيدُ حُكماً لسائِر الأحوالِ، وإنما يُستَفادُ حُكمُ كُل حالِ بحَسَبِها.
وأنَّ حَملَه على تَحريمِ الآلاتِ لذاتِها مَردود لا يصحُّ.
فكيفَ يصح لفَقيهٍ بَعْدُ أن يَدعيَ أن هذا الحديثَ (نَص) و (صَريح) في حُرمَةِ الآلات وأصواتِها مُطلَقاً معَ ما تقدَّمَ من البيانِ والإيرادِ؟!
دا كان تفسير لحديث من ضمن الاحاديث اللى معظم الناس بيستدل بيه على التحريم