أعترف بأنني مدمن
بقلم د.عبدالهادى مصباح
ليسمح لي القارئ العزيز بأن أسجل اعترافي المكتوب بأنني اكتشفت أنني مدمن، ولقد تدرجت في إدماني حتي إنني أكاد أغرق في وسط هذا البحر المتلاطم الأمواج، ولكن كيف أدركت أنني مدمن؟ وكيف تعاملت مع هذه المشكلة الكبري؟ هذا ما سوف أرويه لكم.
ففي الأسبوع الماضي حدث عطل عام في كابلات شبكة الإنترنت، وتخيلت في أول الأمر أن الأمر سهل، وأن الأيام سوف تمر سريعاً مثلما تمر كل أيام عمري الذي أشعر بأنه قد سُرق مني، حتي استيقظت فجأة فوجدت أنني قد تخطيت الخمسين من رصيدي منه، وصبّرت نفسي بأنه ما هي إلا أيام ويعود إلي صديقي المريض ليؤنس وحدتي، كما تعودنا معاً، ومر اليوم الأول علي كئيباً متثاقلاً بطيئاً، حتي وأنا أمارس عملي ولا أحتاج إلي «النت»،
وكلما طرأت فكرة علي بالي أجدني أمد يدي إلي حقيبتي لكي ألجأ إلي «النت» من خلال صديقي «الكمبيوتر» فلا أجدها، فأتعذب بمرارة الفراق، وأحاول أن أكتب الفكرة علي ورقة، علي عكس ما اعتدت عليه بأن أختزنها علي الكمبيوتر، بعد أن أبحث عن مصادر أخري لكي تعطيني فكرة أوسع وأشمل عنها، وأطوي الورقة بحزن شديد، وتنتابني حالة من الكآبة، وبدلاً من أن أحتفظ بها أجدني أرميها في سلة المهملات، وكأنها الضرة التي تحاول أن تأخذ مكان الصديق الذي لم يفارقني منذ سنوات، إحساس شديد بالغربة والعزلة عن العالم، وأنا أفشل في فتح صندوق بريدي الإلكتروني، الذي تعودت أن أفحصه، وأرد علي رسائله مرتين في اليوم علي الأقل.
ومرت الساعات والأيام.. وكتبت مقالي هذا، وأردت أن أرسله عبر البريد الإلكتروني إلي الجريدة فلم أستطع، وزاد اكتئابي وكأنني أفعل ذلك طوال عمري مع أنني كنت أسلم المقال باليد منذ سنوات، وقل إنتاجي.. وامتنعت عن حضور أي مقابلات تليفزيونية، بحجة أنني مشغول، والحقيقة أنني مكتئب لبعدي عن «النت»، فأنا لا أشعر بالأمان والاطمئنان إلا إذا دخلت من خلال هذه البنورة السحرية علي مواقع علمية معينة، وبحثت عن أحدث الأبحاث التي تتناول الموضوع، الذي سوف أتحدث عنه في البرنامج أو الحوار التليفزيوني، حتي أكون مستعداً لأي سؤال قد يفاجئني به السائل، وحتي أكون دائماً عند حسن ظن المشاهد بي.
وعندما تم إصلاح العطل، انفرجت أساريري، وأيقنت بالفعل -من خلال ما انتابني من فرح ونشوة وسرور وتغير حاد في حالتي المزاجية- أنني أصبحت بالفعل من مدمني الكمبيوتر والنت، وأن أدوات التكنولوجيا الحديثة، مثل «الموبايل» و«النت» وغيرهما، قد تغلغلت إلي أعماق أعماقنا، وأصبح معظمنا مدمناً لاستخدامها.
وحاولت أن أبحث عن التفسير العلمي لما حدث لي من خلال الأبحاث العلمية التي نشرت في هذا الشأن لأجيب عن السؤال: هل حقاً هناك إدمان للإنترنت وكذلك الفيديو جيم، والتليفزيون، والموبايل، والقمار، والجنس وغيرها؟ وما القاسم المشترك في إدمان مثل هذه السلوكيات؟.. وكيف يمكن ترشيد هذا الإدمان حتي لا يؤثر علي الحالة الاجتماعية والصحية للشخص المصاب بهذا النوع من الإدمان؟
يؤكد التقرير، الذي خرج من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس UCLA، أن انتشار استخدام «الإنترنت» قد أصبح أسرع وسائل التكنولوجيا استخداماً في تاريخ البشرية، فعلي سبيل المثال في الولايات المتحدة لم تصل الكهرباء إلي ٣٠% من منازل الشعب الأمريكي إلا بعد ٤٦ عاماً من اختراعها، ولم يصل التليفون إلي هذه النسبة إلا بعد ٣٨ عاماً من اختراعه، والتليفزيون بعد ١٧ عاماً، أما شبكة الإنترنت فقد دخلت بيوت ٣٠% من الشعب الأمريكي بعد ٧ سنوات فقط من إدخالها واكتشافها واستخدامها في الكمبيوتر، ووجدتني أتساءل مرة أخري: لماذا يدخل الناس علي النت؟ وكانت الإجابة من نفس الدراسة القيمة، التي تشير إلي أن ٨١.٧% من مستخدمي النت يستخدمونه من أجل البحث عن شيء في محركات البحث المختلفة مثل «جوجل» و«ياهو» وغيرهما، و٨١.٦% يستخدمونه من أجل إرسال واستقبال البريد الإلكتروني، و٥٧.٢% من أجل إيجاد شيء له علاقة بهواياتهم، و٥٦.٦% من أجل قراءة الأخبار من علي المواقع المختلفة، و٥٤.٣% من أجل إيجاد مواقع وأخبار فنية، و٥١.٧% من أجل الشراء والبيع والتسوق، و٤٥،٨% من أجل معلومات عن السياحة والسفر، و٣٩.٦% من أجل النقاش والشات وإرسال رسائل فورية، و٣٦.٦% من أجل جمع معلومات طبية، و٣٣% من أجل ممارسة الألعاب المختلفة.
وبالطبع كلما زادت خبرات الشخص في التعامل مع النت، جلس لفترات أطول أمام الكمبيوتر من أجلها، ويقدر العلماء متوسط عدد الساعات التي يجلس خلالها الشخص، الذي يستخدم الكمبيوتر منذ أكثر من ٤ سنوات، أمام شاشة الكمبيوتر، متعاملاً مع النت بحوالي ١٦.٢ ساعة كل أسبوع، بينما الذين يستخدمون النت منذ أقل من عام لا يتعدي استخدامهم للنت ٦.١ ساعة كل أسبوع، وتشير الإحصائيات إلي أن ٦٧% من مستخدمي النت يعتقدون أنه مصدر في غاية الأهمية بالنسبة لاكتساب المعلومات، وفي المقابل نجد أن هناك ٦٠% من الشباب في سن المراهقة تحت العشرين يدخلون علي مواقع البحث عن الجنس من أجل البحث عن المعلومة الجنسية التي لم يتعلموها، وقد ثبت أن القاهرة هي أكثر مدن العالم بحثاً عن مواقع الجنس علي محرك البحث «جوجل»، تليها نيودلهي وشيناي بالهند ثم أنقرة بتركيا،
أما بالنسبة للبحث علي مستوي الدول فتأتي مصر في المرتبة الثانية بعد باكستان الأولي، ثم تليها إيران، وتأتي السعودية في المركز السابع، وتأتي اللغة العربية في المرتبة الأولي للبحث عن كلمة جنس من بين كل اللغات الأخري، تليها اللغة الفيتنامية ثم التركية، وتأتي اللغة الإنجليزية في المرتبة الثامنة، والسويدية في العاشرة، ونجد أن هناك ستاً من بين أول الدول الثماني بحثاً عن الجنس علي مستوي العالم هي دول إسلامية (باكستان - مصر - إيران - إندونيسيا - السعودية - تركيا).
تري بماذا تخبرنا هذه الأرقام؟ .
الأحد فبراير 03, 2008 11:34 pm