كانت المرأة في كثير من المجتمعات القديمة ليس لها اعتبار ولا كيان مستقل ، بل كانت هناك أسئلة تدور عند بعض الأمم: هل للمراة أن تعبد الله كما يعبده الرجل؟ وهل تدخل الجنة وملكوت الآخرة؟ وهل هي إنسان له روح يسري عليه الخلود ، أو هي حيوان نجس أعد للخدمة؟ وفي الوقت الذي كانت المرأة في تلك المجتمعات تعاني ما تعانيه ، شع نور الإسلام ، وبزغ فجر الحرية الحقة للإنسان عامة ، وللمرأة على وجه الخصوص ، حيث كانت في أسر الذل والهوان فكان لها المنقذ بعد الهلاك ، والمحرر بعد استعباد ، إذ قرر لها الإسلام من الحقوق والواجبات والخصائص ، ما كان مثار عجب ودهشة بين أتباع النبي صلى الله عليه وسلم أنفسهم فضلاً عن غيرهم ، فقرر إنسانيتها وأنها صنو الرجل. قال الله تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً) وقال تعالى: (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها) فهي إنسان مساوية للرجل في الإنسانية ، فإن كلمة الناس تشمل في مفهومها ومدلولها الرجل والمرأة ، فهي مخاطبة كما هو مخاطب في هاتين الآيتين باعتبار خصوصية الإنسانية فيها ، فهي إذاً إنسان كما هو إنسان. ويؤكد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع فيقول: (أيها الناس ، إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ، كلكم لآدم ، وآدم من تراب) وهي أخت الرجل ، إذ تنسب هي وهو إلى أب واحد ، وأم واحدة قال تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ، فهو ينادي الجميع: (يا أيها الناس) معلناً أنه خلقهم من أب واحد وأم واحدة (إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) فيقرر الأخوة: أخوة النسب بين الرجل والمرأة ، فكل منهما شقيق الآخر وصنوه ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما النساء شقائق الرجال). والأخوة على هذا ، تقتضي المساواة في الانتساب إلى الأبوين ، فلا يكون أحد الشقيقين أوفر حظاً في النسبة إلى أبويه من الآخر ، فالمرأة على هذا مساوية للرجل في النسبة إلى الأبوين: آدم وحواء. وعلى هذا الأساس (إنسانية المرأة) قرر الإسلام لها وعليها حقوقها ، والتزاماتها ، فقرر أهليتها للعبادة ، والتكاليف الشرعية ، قال تعالى: (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض) ، وقال تعالى: (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً). وقال تعالى أيضاً: (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) كذلك قرر لها أهليتها الاجتماعية ، كما قرر لها أهليتها الاقتصادية ، المستقلة عن الرجل – أيا كان: أباً أو زوجاً أو أخاً أو غيرهم – استقلالاً تاماً. وجماع القول: (لقد كفل الإسلام للمرأة مساواتها مع الرجل من حيث الجنس ، ولم يقرر التفاضل إلا في بعض الملابسات المتعلقة بالاستعداد ، أو الدُّربة أو التبعة ، مما لا يؤثر على حقيقة الوضع الإنساني للجنسين ، فحيثما تساوى الاستعداد والدُّربة والتبعة ، تساويا ، وحيثما اختلف شيء من ذلك ، كان التفاوت بحسبه). على هذا الأساس منح الإسلام للمرأة حقوقها الروحية والمادية ، ووفر لها كل الضمانات إذ كان ينظر إلى صفاتها الإنسانية ، وهو بهذا يسير مع نظريته في وحدة الإنسان: (خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها) ، فلم يخضع في منحه تلك الحقوق لها لضغوط الاقتصاديات والماديات ، كما فعلت بعض الأمم عند منحها بعض الحقوق للمرأة.